فصل: مناسبة الآية لما قبلها:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وأخرج الحاكم عن عائشة رضي الله عنها قالت دخل طلحة رضي الله عنه على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «يا طلحة أنت ممن قضى نحبه».
وأخرج سعيد بن منصور وأبو يعلى وابن المنذر وأبو نعيم وابن مردويه عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من سره أن ينظر إلى رجل يمشي على الأرض قد قضى نحبه فلينظر إلى طلحة».
وأخرج ابن مردويه من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه، مثله.
وأخرج ابن منده وابن عساكر عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها قالت دخل طلحة بن عبيد الله على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «يا طلحة أنت ممن قضى نحبه».
وأخرج أبو الشيخ وابن عساكر عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنهم قالوا: حدثنا عن طلحة قال: ذاك امرؤ نزل فيه آية من كتاب الله {فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر} طلحة ممن قضى نحبه لا حساب عليه فيما يستقبل.
وأخرج سعيد بن منصور وابن الأنباري في المصاحف عن ابن عباس أنه كان يقرأ: {فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر} وآخرون {ما بدلوا تبديلًا}.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما {فمنهم من قضى نحبه} قال: الموت على ما عاهدوا الله عليه {ومنهم من ينتظر} على ذلك.
وأخرج الطستي في مسائله عن ابن عباس رضي الله عنهما أن نافع بن الأزرق سأله عن قوله: {قضى نحبه} قال: أجله الذي قدر له. قال: وهل تعرف العرب ذلك؟ قال: نعم. أما سمعت قول لبيد:
ألا تسألان المرء ماذا يحاول ** أنحب فيقضى أم ضلال وباطل

وأخرج الفريابي وسعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه {فمنهم من قضى نحبه} قال: عهده {ومنهم من ينتظر} يومًا فيه جهاد، فيقضي نحبه يعني عهده بقتال أو صدق في لقاء.
وأخرج أحمد والبخاري وابن مردويه عن سليمان بن صرد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يوم الأحزاب الآن نغزوهم ولا يغزونا».
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال حبسنا يوم الخندق عن الظهر، والعصر، والمغرب، والعشاء، حتى كان بعد العشاء بهك كفينا ذلك. فأنزل الله: {وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قويًا عزيزًا} فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بلالًا فأقام، ثم صلى الظهر كما كان يصليها قبل ذلك، ثم أقام فصلى العصر كما كان يصليها قبل ذلك، ثم أقام المغرب فصلاها كما كان يصليها قبل ذلك، ثم أقام العشاء فصلاها كما كان يصليها قبل ذلك. وذلك قبل أن تنزل صلاة الخوف {فإن خفتم فرجالًا أو ركبانًا} [البقرة: 239].
وأخرج الحاكم وصححه عن عيسى بن طلحة قال: دخلت على أم المؤمنين وعائشة بنت طلحة وهي تقول لأمها أسماء: أنا خير منك، وأبي خير من أبيك، فجعلت أسماء تشتمها وتقول: أنت خير مني فقالت عائشة رضي الله عنها: ألا أقضين بينكما؟ قالت: بلى. قالت: فإن أبا بكر رضي الله عنه دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له: «أنت عتيق من النار قالت: فمن يومئذ سمى عتيقًا، ثم دخل طلحة رضي الله عنه فقال: أنت يا طلحة ممن قضى نحبه».
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق عبد الله بن اللهف عن أبيه رضي الله عنه في قوله: {فمنهم من قضى نحبه} قال: نذره وقال الشاعر:
قضت من يثرب نحبها فاستمرت. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عمر رضي الله عنهما في قوله: {فمنهم من قضى نحبه} قال: مات على ما هو عليه من التصديق والإيمان {ومنهم من ينتظر} ذلك {وما بدلوا تبديلًا} ولم يغيروا كما غير المنافقون.
وأخرج ابن جرير عن قتادة رضي الله عنه {من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه} على الصدق والوفاء {ومنهم من ينتظر} من نفسه الصدق والوفاء {وما بدلوا تبديلًا} يقول: ما شكوا ولا ترددوا في دينهم، ولا استبدلوا به غيره {ويعذب المنافقين إن شاء أو يتوب عليهم} قال: يخرجهم من النفاق بالتوبة حتى يموتوا وهم تائبون من النفاق، فيغفر لهم. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

من لطائف القشيري في الآية:
قال عليه الرحمة:
{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ في رَسُول اللَّه أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}.
{كان} صلة ومعناها: لكم في رسول الله أسوة حسنة، به قدوتكم، ويجب عليكم متابعته فيما يرسمه لكم. وأَقول الرسول صلى الله عليه وسلم وأفعاله على الوجوب إلى أن يقوم دليل التخصيص، فأما أَحواله فلا سبيلَ لأحدٍ إلى الإشراف عليها، فإن ظَهَرَ شيء من ذلك بإخباره أَو بدلالة أقواله وأفعاله عليه فإن كان ذلك مُكْتَسَبًا من قبَله فيُلحق في الظاهر بالوجوب بأفعاله وأقواله، وإن كان غير مكتسبٍ له فهي خصوصيةٌ له لا ينبغي لأحد أَن يتعرّض لمقابلته لاختصاصه- صلى الله عليه وسلم- بعلوّ رتبته.
{وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ}.
كما أنّ المنافقين اضطربت عقائدُهم عند رؤية الأعداء، فالمؤمنون وأهلُ اليقين ازدادوا ثقةً، وعلى الأعداء جرأةً، ولحكم الله استسلامًا، ومن الله قوةً.
{منَ الْمُؤْمنينَ رجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْه}.
شَكَرَ صنيعَهم في المراس، ومدح يقينهم عند شهود الباس، وسماهم رجالًا إثباتًا لخصوصية رتبتهم وتمييزًا لهم من بين أَشكالهم بعلوّ الحالة والمنزلة، فمنهم مَنْ خرج من دنياه على صدْقه ومنهم مَنْ ينتظر حكم الله في الحياة والممات، ولم يزيغوا عن عهدهم، ولم يراوغوا في مراعاة حدّهم؛ فحقيقةُ الصدق حفْظُ العهد وتَرْكُ مجاوزة الحدّ.
ويقال: الصدقُ استواءُ الجهر والسّرّ.
ويقال: هو الثباتُ عندما يكون الأَمرُ جدًّا.
{ليَجْزيَ اللَّهُ الصَّادقينَ بصدْقهمْ وَيُعَذّبَ الْمُنَافقينَ إنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهمْ إنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحيمًا (24)}.
في الدنيا يجزي الصادقين بالتمكين والنصرة على العدو وإعلاء الراية، وفي الآخرة بجميل الثواب وجزيل المآب والخلود في النعيم المقيم والتقديم على الأمثال بالتكريم والتعظيم.
{وَيُعَذّبَ المُنَافقينَ إن شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهمْ} على الوجه الذي سَبق به العلم، وتَعَلَّقت به المشيئة.
ويقال: إذا لم يجزم بعقوبة المنافق وعَلَّقَ القولَ فيه بالرجاء فبالحريّ ألا يُخَيّبَ المؤمنَ في رجائه. اهـ.

.تفسير الآيات (25- 27):

قوله تعالى: {وَرَدَّ اللَّهُ الَّذينَ كَفَرُوا بغَيْظهمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمنينَ الْقتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَويًّا عَزيزًا (25) وَأَنْزَلَ الَّذينَ ظَاهَرُوهُمْ منْ أَهْل الْكتَاب منْ صَيَاصيهمْ وَقَذَفَ في قُلُوبهمُ الرُّعْبَ فَريقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسرُونَ فَريقًا (26) وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَديَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلّ شَيْءٍ قَديرًا (27)}.

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما ذكرهم سبحانه نعمته بما أرسل على أعدائهم من جنوده، وبين أحوال المنافقين والصادقين وما له في ذلك من الأسرار، وختم بهاتين الصفتين، قال مذكرًا بأثرهما فيما خرقه من العادة بصرف الأعداء على كثرتهم وقوتهم على حالة لا يرضاها لنفسه عاقل، عاطفًا على قوله في أول السورة والقصة {فأرسلنا} {ورد الله} أي بما له من صفات الكمال {الذين كفروا} أي ستروا ما دلت عليه شموس عقولهم من أدلة الوحدانية وحقية الرسالة، وهم من تحزب من العرب وغيرهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بلادهم عن المدينة ومضايقة المؤمنين، حال كونهم {بغيظهم} الذي أوجب لهم التحزب ثم الذي أوجب لهم التفرق من غير طائل حال كونهم {لم ينالوا خيرًا} لا من الدين ولا من الدنيا، بل خذلهم بكل اعتبار.
ولما كان الرد قد يكون بسبب من عدوهم، بين أن الأمر ليس كذلك فقال: {وكفى الله} أي العظيم بقوته وعزته عباده، ودل على أنه ما فعل ذلك إلا لأجل أهل الإخلاص فقال: {المؤمنين القتال} بما ألقى في قلوبهم من الداعية للانصراف بالريح والجنود من الملائكة وغيرهم منهم نعيم بن مسعود كما تقدم.
ولما كان هذا أمرًا باهرًا، أتبعه ما يدل على أنه عنده يسير فقال: {وكان الله} أي الذي له كل صفة كمال دائمًا أزلًا وأبدًا {قويًا} لا يعجزه شيء {عزيزًا} يغلب كل شيء.
ولما أتم أمر الأحزاب، أتبعه حال الذين ألّبوهم، وكانوا سببًا في إيتانهم كحيي بن أخطب والذين مالأوهم على ذلك، ونقضوا ما كان لهم من عهد، فقال: {وأنزل الذين ظاهروهم} أي عاونوا الأحزاب، ثم بينهم بقوله مبغضًا: {من أهل الكتاب} وهم بنو قريظة ومن دخل معهم في حصنهم من بني النضير كحيي، وكان ذلك بعد إخراج بني قنيقاع وبني النضير {من صياصيهم} أي حصونهم العالمية، جمع صيصية وهي كل ما يتمنع به من قرون البقر وغيرها مما شبه بها من الحصون.
ولما كان الإنزال من محل التمنع عجبًا، وكان على وجوه شتى، فلم يكن صريحًا في الإذلال، فتشوفت النفس إلى بيان حاله، بين أنه الذل فقال عاطفًا بالواو ليصلح لما قبل ولما بعد: {وقذف في قلوبهم الرعب} أي بعد الإنزال كما كان قذفه قبل الإنزال، فلو قدم القذف على الإنزال لما أفاد هذه الفؤائد، ولا اشتدت ملاءمة ما بعده للإنزال.
ولما ذكر ما أذلهم به، ذكر ما تأثر عنه مقسمًا له فقال: {فريقًا} فذكره بلفظ الفرقة ونصبه ليدل بادئ بدء على أنه طوع لأيدي الفاعلين: {تقتلون} وهم الرجال، وكان نحو سبعمائة.
ولما بدأ بما يدل على التقسيم مما منه الفرقة، وقد أعظم الأثرين الناشئين عن الرعب، أولاه الأثر الآخر ليصير الأثران المحبوبان محتوشين بما يدل على الفرقة فقال: {وتأسرون فريقًا} وهم الذراري والنساء، ولعله أخر الفريق هنا ليفيد التخيير في أمرهم، وقدم في الرجال لتحتم القتل فيهم.
ولما ذكر الناطق بقسميه، ذكر الصامت فقال: {وأورثكم أرضهم} من الحدائق وغيرها؛ ولما هم خص بقوله: {وديارهم} لأنه يحامي عليها ما لا يحامي على غيرها؛ ثم عم بقوله: {وأموالهم} مما تقدم ومن غيره من النقد والماشية والسلاح والأثاث وغيرها، فقسم ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم للفارس ثلاثة أسهم: للفرس سهمان ولفارسه سهم كما للراجل ممن ليس له فرس وأخرج منها الخمس فعلى سنتها وقعت المقاسم ومضت السنة في المغازي، واصطفى رسول الله صلى الله عليه وسلم من سباياهم ريحانة بنت عمرو بن خنافة.
إحدى نساء بني عمرو بن قريظة، فتلبثت قليلًا، ثم أسلمت، فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن يتزوجها ويضرب عليها الحجاب فقالت: يا رسول الله! بل تتركني في ملكك فهو أخف عليّ وعليك، فتركها حتى توفي عنها في ملكه رضي الله عنه ا.
ولما كانت هذه غزوة طار رعبها في الآفاق، وأذلت أهل الشرك من الأميين وغيرهم على الإطلاق، ونشرت ألوية النصر فخفقت أعلامها في جميع الآفاق، وأغمدت سيف الكفر وسلت صارم الإيمان للرءوس والأعناق، حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم وهو أبصر الناس بالحروب، وأنفذهم رأيًا لما له من الثبات عند اشتداد الكروب: «الآن نغزوهم ولا يغزونا» قال تعالى: {وأرضًا لم تطؤها} أي تغلبوا عليها بتهيئتكم للغلبة عليها وإعطائكم القوة القريبة من فتحها، وهي أرض خيبر أولًا، ثم أرض مكة ثانيًا ثم أرض فارس والروم وغيرهما مما فتحه الله بعد ذلك، وكان قد حكم به في هذه الغزوة حين أبرق تلك البرقات للنبي صلى الله عليه وسلم في حفر الخندق، فأراه في الأولى اليمن، وفي الأخرى فارس، وفي الأخرى الروم.
ولما كان ذلك أمرًا باهرًا سهله بقوله: {وكان الله} أي أزلًا وأبدًا بما له من صفات الكمال {على كل شيء} هذا وغيره {قديرًا} أي شامل القدرة. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

ثم بين بعض ما جازاهم الله به على صدقهم فقال: {وَرَدَّ الله الذين كَفَرُوا بغَيْظهمْ} أي مع غيظهم لم يشفوا صدرًا ولم يحققوا أمرًا {وَكَفَى الله المؤمنين القتال} أي لم يحوجهم إلى قتال {وَكَانَ الله قَويًّا} غير محتاج إلى قتالهم عزيزًا قادرًا على استئصال الكفار وإذلالهم.
{وَأَنْزَلَ الَّذينَ ظَاهَرُوهُمْ منْ أَهْل الْكتَاب منْ صَيَاصيهمْ وَقَذَفَ في قُلُوبهمُ الرُّعْبَ} أي عاونوهم من أهل الكتاب وهم بنو قريظة من صياصيهم من قلاعهم وقذف في قلوبهم الرعب حتى سلموا أنفسهم للقتل وأولادهم ونسائهم للسبي فريقًا تقتلون وهم الرجال، وتأسرون فريقًا وهم الصبيان والنسوان، فإن قيل هل في تقديم المفعول حيث قال: {فريقًا تقتلون} وتأخيره حيث قال: {وَتَأْسرُونَ فَريقًا} فائدة؟ قلت قد أجبنا أن ما من شيء من القرآن إلا وله فوائد منها ما يظهر ومنها ما لا يظهر، والذي يظهر من هذا والله أعلم أن القائل يبدأ بالأهم فالأهم والأعرف فالأعرف والأقرب فالأقرب، والرجال كانوا مشهورين فكان القتل واردًا عليهم والأسرى كانوا هم النساء والصغار ولم يكونوا مشهورين والسبي والأسر أظهر من القتل لأنه يبقى فيظهر لكل أحد أنه أسير فقدم من المحلين ما هو أشهر على الفعل القائم به وما هو أشهر من الفعلين قدمه على المحل الأخفى، وإن شئنا نقول بعبارة توافق المسائل النحوية فنقول قوله: {فَريقًا تَقْتُلُونَ} فعل ومفعول والأصل في الجمل الفعلية تقديم الفعل على المفعول والفاعل، أما أنها جملة فعلية فلأنها لو كانت إسمية لكان الواجب في فريق الرفع وكان يقول فريق منهم تقتلونهم فلما نصب كان ذلك بفعل مضمر يفسره الظاهر تقديره تقتلون فريقًا تقتلون والحامل على مثل هذا الكلام شدة الاهتمام ببيان المفعول، وههنا كذلك لأنه تعالى لما ذكر حال الذين ظاهروهم وأنه قذف في قلوبهم الرعب فلو قال تقتلون إلى أن يسمع السامع مفعول تقتلون يكون زمان وقد يمنعه مانع فيفوته فلا يعلم أنهم هم المقتولون، فأما إذا قال فريقًا مع سبق في قلوبهم الرعب إلى سمعه يستمع إلى تمام الكلام وإذا كان الأول فعلًا ومفعولًا قدم المفعول لفائدة عطف الجملة الثانية عليها على الأصل فعدم تقديم الفعل لزوال موجب التقديم إذا عرف حالهم وما يجىء بعده يكون مصروفًا إليهم، ولو قال بعد ذلك وفريقًا تأسرون فمن سمع فريقًا ربما يظن أن يقال فيهم يطلقون، أو لا يقدرون عليهم فكان تقديم الفعل هاهنا أولى، وكذلك الكلام في قوله: {وَأَنزَلَ الذين ظاهروهم} وقوله: {وَقَذَفَ} فإن قذف الرعب قبل الإنزال لأن الرعب صار سبب الإنزال، ولكن لما كان الفرح في إنزالهم أكثر، قدم الإنزال على قذف الرعب، والله أعلم.
{وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَديَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلّ شَيْءٍ قَديرًا (27)}.
فيه ترتيب على ما كان، فإن المؤمنين أولًا تملكوا أرضهم بالنزول فيها والاستيلاء عليها ثم تملكوا ديارهم بالدخول عليهم وأخذ قلاعهم ثم أموالهم التي كانت في بيوتهم وقوله: {وَأَرْضًا لَّمْ تَطَئُوهَا} قيل المراد القلاع وقيل المراد الروم وأرض فارس وقيل كل ما يؤخذ إلى يوم القيامة: {وَكَانَ الله على كُلّ شيء قَديرًا} هذا يؤكد قول من قال إن المراد من قولهم: {وَأَرْضًا لَّمْ تَطَئُوهَا} هو ما سيؤخذ بعد بني قريظة، ووجهه هو أن الله تعالى لما ملكهم تلك البلاد ووعدهم بغيرها دفع استبعاد من لا يكون قوي الاتكال على الله تعالى وقال أليس الله ملككم هذه فهو على كل شيء قدير يملككم غيرها. اهـ.